مصر أمامها فرصة ذهبية لبناء اقتصاد يركز على التصدير لجذب المزيد من الاستثمار المباشر
(بالحديث عن المؤتمر: لم يصدر مجلس الوزراء بعد بيانا رسميا، ولكن يظهر الموقع الإلكتروني للمؤتمر نسخة محدثة لجدول أعماله. وما نفهمه الآن هو أن مجلس الوزراء وكبار المسؤولين من البورصة المصرية وهيئة الرقابة المالية وصندوق مصر السيادي سيقودون جلسات المؤتمر، فيما سيكون من بين الحضور الآخرين قادة الصناعة والغرف التجارية والأكاديميين والنواب، ومجموعة مختارة من المجتمع الدبلوماسي. وليس من الواضح حتى الآن عدد المسؤولين التنفيذيين الذين سيجري دعوتهم لحضور المؤتمر.)
لذا، فهنا تكمن المشكلة: ماذا عن حزمة الدعم من صندوق النقد (وتخفيض الجنيه) التي ننتظرها جميعا هذا الأسبوع أو الذي يليه؟ هي ضرورية للغاية كي نتمكن من الخروج من المأزق الحالي – ولكنها غير كافية للتأكد من عدم تكرار ذلك بعد خمس سنوات.
وإليكم الحل:أمام مصر في الوقت الحالي فرصة ذهبية لبناء اقتصاد موجه للصادرات يجعلها وجهة عالمية للاستثمار الأجنبي المباشر. تحدثنا إلى عدد من ألمع العقول في القطاع الخاص في مصر، واتفقوا معنا على أن ذلك ليس ممكنا فحسب، بل إن السبيل إلى تحقيق هذا الأمر يسير. والتحدي هو التركيز على تحويل تلك الطموحات لأمر واقع على مدار السنوات المقبلة.
كل ما نريده هو ما يلي: تسعى الشركات متعددة الجنسيات لإعادة هندسة سلاسل التوريد الخاصة بها في جميع أنحاء العالم، ونحن شريك طبيعي في هذه العملية، كما يقول حلمي غازي، نائب الرئيس التنفيذي لبنك إتش إس بي سي مصر. “تحتاج البلدان والشركات الكبرى إلى بدائل تتعلق بالطاقة والتصنيع. فهم بحاجة إلى تقليل المسافة بين عمليات الإنتاج وبين أسواقهم. إنهم بحاجة إلى تأمين إمدادات موثوقة للطاقة. وهم بحاجة إلى القيام بكل من هذين الأمرين مع شركاء يمكنهم الاعتماد عليهم”، كما يقول.
بحكم الجغرافيا والثقافة والسياسة الخارجية، مصر هي ذلك الشريك. السؤال هو بأي سرعة يمكننا التحرك بجدية مع عدد من الصناعات التي وبحكم الخبرة في بلدان أخرى مثل فيتنام والمغرب والهند نرى أنها يمكن أن تصبح مغناطيسا للاستثمار الأجنبي المباشر، مما يخلق فرص عمل مجزية، ويحول دولا مستوردة مثل مصر إلى قلعة تصديرية.
لدى مصر بالفعل قاعدة ضخمة من الشركات متعددة الجنسيات التي يمكن أن تساعد في نقل الأمر إلى الشركات الأم. ذلك فضلا عن المصريين العاملين في الشركات متعددة الجنسيات بجميع أنحاء العالم. فما هي الأفكار المبتكرة التي يمكن طرحها؟
هناك خارطة طريق موضوعة بالفعل: ليس علينا النظر أبعد مما يقوم به صناع السياسة في الهند والمغرب وفيتنام خلال العقود الأخيرة.
روابط الأعمال سيكون لها دور كبير: تريد الشركات الكبرى في جميع أنحاء العالم إطارا تنظيميا يمكن الاعتماد عليه، وسهولة الحصول على الأراضي وسهولة الوصول إلى الموردين والطاقة والمواهب والبنية التحتية. روابط الأعمال عبارة عن تجمعات جغرافية للشركات والموردين والمؤسسات المرتبطة التي تنشئ أنظمة حقيقية داخل الصناعات ذات الأولوية، والتي تربط الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم بسلاسل التوريد الخاصة بالكيانات الأكبر التي ترتبط هي نفسها بالسوق العالمية.
والأفضل من ذلك: يتماشى نهج ربط الشركات الصغيرة والمتوسطة بالشركات والأسواق التي تكون بعيدة عن متناولها، تماما مع استراتيجية تطوير الشركات الصغيرة والمتوسطة للحكومة المصرية.
اقتناص جزء من سلاسل التوريد العالمية هذه قد يغير مصيرنا الاقتصادي، كما يقول سايمون كيتشن، العضو المنتدب ورئيس البحوث الاستراتيجية في المجموعة المالية هيرميس. ويضيف كيتشن: “يمكننا النظر إلى تجربة فيتنام، حيث أنشأوا مناطق اقتصادية تركز على صناعة واحدة. وبفضل تلك المناطق، أصبح لدى العاملين في وظائف منخفضة الدخل فجأة فرصة لزيادة دخولهم. أصبحوا يدخرون، وأصبح لديهم فائض في دخولهم. وبدأوا يستثمرون في تعليم أنفسهم وتعليم أطفالهم، وشراء السلع الاستهلاكية والمشاركة في النظام المالي الرسمي. وبعد ذلك، ظهرت شركات الخدمات حول تلك المناطق لخدمة هذه الطبقة المتوسطة الناشئة. إن تأثير المضاعف هائل. عندما تكون أمة يزيد عدد سكانها عن 100 مليون شخص، فإن الأمر لا يتعلق بعشرة آلاف وظيفة في قطاع فرعي معين، إنه يتعلق بتأثير المضاعف على جميع القطاعات. يحتاج ذلك إلى مناطق صناعية قريبة من المراكز السكانية حتى تخلق فرص عمل للأشخاص الذي يعملون في ظروف متدنية، وتبدأ هذه الدورة الحميدة”.
حان الوقت للتخلي عن الأفكار القديمة، فلسنا بحاجة إلى “صناعة كل شيء من الإبرة إلى الصاروخ”. إذا كانت ميزتنا التنافسية تتمثل في صناعة الإبر، وإذا أدى ذلك إلى توليد مليارات الدولارات من التصدير، فليكن هذا هو تركيزنا الوحيد. لا يمكن لدولة أن تستغني بالكامل عن الحاجة للاستيراد.
باختصار – بناء اقتصاد موجه للصادرات يمثل نقطة جذب للمستثمرين الاستراتيجيين العالميين هو المفتاح للتأكد من أننا لن نجد أنفسنا بعد خمس سنوات في نفس المكان الذي نحن فيه اليوم، إذ نعاني من أزمة اقتصادية ونلجأ إلى صندوق النقد الدولي وأصدقائنا في الخليج للمساعدة. التحدي الذي نواجهه هو: بناء استراتيجية صناعية طويلة الأجل نابعة من فهم عميق لمزايانا المطلقة والتنافسية، وبذلك نصبح قوة تصديرية، بالتزامن مع محاولة إحلال الواردات أينما كان القيام بذلك منطقيا.
نعتقد أن هناك خمس خطوات لتحويل ذلك إلى واقع:
- وضع هدف جريء طويل الأجل، لنقل مثلا 50 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر سنويا بحلول عام 2033.
- تحديد ما لا يزيد عن خمس صناعات موجهة للتصدير، لدينا فيها مزايا مطلقة أو تنافسية واضحة. ستشكل تلك الصناعات مستقبلنا.
- التخلص من الروتين البيروقراطي. لا تعد بـ “الجدية” حيال ذلك. فقط افعل ذلك. إذا تمكنا من رقمنة الضرائب، فيمكننا أن نجعل عملية تأسيس الأعمال التجارية وإصدار التصاريح والتراخيص عملية بسيطة للجميع عبر الإنترنت.
- تأسيس وكالة مخصصة للترويج للاستثمار من شأنها أن تروي القصص التي يتردد صداها عند القادة التنفيذيين في جميع أنحاء العالم. فقط من خلال تسويق قصة قابلة للتمويل والاستثمار ومصممة خصيصا لتلبية الاحتياجات الفريدة للشركات العالمية الكبرى، سيمكنك جذب الاستثمار الأجنبي المباشر والمعرفة اللازمة لإنجاح هذا الأمر.
- دعم تلك الصناعات بأي ثمن. سنكون مبالغين قليلا فقط إن قلنا أن الصناعات الأخرى لن تحظى بأي أهمية، وإذا نجحنا في الصناعات الخمس تلك، فإن كل القطاعات الأخرى من الاقتصاد ستنجح أيضا.
التخصص هو مفتاح النجاح – خمس صناعات بحد أقصى. منذ عام 2011، اتخذت مصر نهجا مشتتا. فمن صناعة الإطارات إلى محاولات إحلال واردات الإطارات، وربما السيارات أيضا. هل المنطقة الصناعية الروسية مثالية. أو ربما نحب الصينيين أكثر؟ انتظر، دعنا نوقع مذكرات تفاهم بمليارات الدولارات للاستثمار في الهيدروجين الأخضر والأمونيا، ونتجاهل حقيقة أن الولايات المتحدة قد أحدثت للتو ثقبا في قاربنا من خلال تقديم الدعم لإنتاج الطاقة الخضراء.
حققت مصر نحو 6.6 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2010 – ونحو 8.9 مليار دولار في العام المالي المنتهي في يونيو الماضي.
صدرنا خدمات وسلع بقيمة 46.75 مليار دولار في 2010. وفي العام الماضي، سجل هذا الرقم 44.85 مليار دولار.